القسم الثاني من علوم البلاغة ويسمى " البيان "
وتعريفه : هو علم يبحث في كيفيّات تأدية المعنى الواحد بطُرُقٍ تختلف في وضوح دلالاتها .
مثال : لو أردنا وصف إسماعيل بالكرم فقد يقال :
1- إسماعيل كريم = خبر
2- إسماعيل كالبحر = تشبيه
3- إسماعيل بحر = استعارة
4- إسماعيل كثير رماد القدر = كناية
فكل العبارات أدت معنى واحداً ولكن بطرق مختلفة .
وسنقتصر اليوم قبل الدخول في التفاصيل على مقدمة منقولة بتصرف من كتاب البلاغة العربية حيث يقول :
مُمَارِسُ صناعة الكلام قولاً وكتابةً يُلاحظُ أَنَّ اللُّغَاتِ جَمِيعَها بحَسَب أوضاعها اللّغويّة، الّتِي جَرَى فيها وضْعُ كُلّ كلمة أو عبارة لتدلَّ على معنىً من المعاني، مهما اتَّسَعَتْ فإنَّها لا تكفِي للدَّلاَلة على المعاني التي تُدْرِكها الأذهان، والدَّلالَةِ على المشاعر التي تُحِسُّ بِها النفوس.
ومع أنّ اللّغة العربية أوسع اللُّغَاتِ العالميّة وأثراها في الدلالة على المعاني الفكرية والمشاعر النفسيّة، فإنَّ هذا الحكم يشملها، إذا نظرنا إلى حدود الأوضاع اللّغوية للكلمات وللعبارات.
والذاكرة الإنسانيّة مهما عظمت قدرتها على استيعاب المفردات اللّغويّة لا تستطيع أن تستوعبَ وتحفظ كُلَّ مفردات اللّغة، ولا تستطيع أن تستذكر دواماً كُلَّ ما تحتاج إليه من المفردات والتعبيراتِ اللُّغوية، لتقدمها إلى أداة التعبير باللّسان أو بالقلم عند الحاجة.
لكِنَّ الإِنسان قد أتاهُ الله عزّ وجلّ قُدْرَةً فَائِقَةً عَلى التعبير عمّا يريد من معانٍ ذهنيّة، ومَشاعر نفْسِيّةٍ عَنْ طُرُق أُخْرى غير طريق الأوضاع اللّغويّة الّتي وُضعت بها المفردات والعبادات لتدُلَّ دلالةً مباشرةً عليها، فَهُوَ يحتال للتعبير عمّا يريد التعبير عنه من خلال ما تُسعفه به ذاكرتُه من مفرداتٍ وعبارات بواحد فأكثر من الطُّرُق التالية:
الطريق الأول: طريق التَّشْبيه والتمثيل، واستخدام النظير ليَدُلَّ على نظيره.
الطريق الثاني: طريق اللّوازم الفكريّة الّتي تُدْرِكُها الأذهان لدَى إدْراكِ أشياء تستدعيها باللُّزُوم الذّهني، فيَذْكُر الألفاظ الدالّة على هذه الأشياء مشيراً بِهَا إلى لوازمها الذهنيّة، كطول الثوب الّذي يستَدْعي باللُّزُوم الذّهْنِي طُولَ لابسه، وكَرُؤْيَةِ النجوم رؤيَةً واضِحةً الَّتِي تَسْتدعي باللُّزوم الذهني كونَ هذه الرُّؤْيَة حاصلةً في اللّيل، وهذا ما يُسمَّى بالكناية.
الطريق الثالث: طَرِيقُ ذكر أشياء يُنَبّه ذِكْرُهَا عَلى أشباهها، أو أضدادها، أو ما يخالفها، فيكون ذكرُها مشيراً بتعريض إلى تِلْكَ الأشباه أو الأضداد أو المخالفات، وهذا ما يُسمَّى بالتعريض.
الطريق الرابع: طريق استخدام لفْظٍ مكان لفظ آخر صالحٍ لأنْ يَدُلَّ على معناه لعلاقة بينهما، وهذا ما يُسَمَّى بالمجاز.
وفتحت هذه الحيل التعبيرية آفاقاً واسعة جدّاً لانتقاء صُورٍ جماليّة لاَ تُحْصَى، يتحقَّق بها الغرضان المهمّان من أغراض الكلام وهما:
الغرض الأوّل: إفْهامُ المتلَقِّي ما يُريد المتكلّم التعبير عنه.
الغرض الثاني: إمتاعُه بصُورٍ جماليّة يشتمل عليها الكلام، ولهذا الإِمتاع تأثيرٌ في النفوس، وقد يكون وسيلة لقبول المضمون الفكري الذي دلَّ عليه الكلام، ولاعتقاده، وللعمل بمقتضاه. اهـ
مَـن لم يعظه الدهر لم ينفعه ما ....... راح بـه الـــواعظ يوما أو غدا
مَـــن لـم تُـفده عـبرا أيــــــــامه ....... كان العمى أولى به من الهدى
مَـن قــــاس مـا لم يره بما يرى ....... أراه مــــــا يـدنو الـيه مـا نـأى